المسجد والإمام

 

دور المسجد  في حياة المجتمع واضح لا يخفى، وراسخ لا يُنسى، فهو الدعامة الأولى، والركيزة الكبرى لتحقيق الأمن الاجتماعي، وتعميق الوحدة ونبذ الفرقة، وتغذية الأمة بالتوجيه الروحي والفكري.

ولئن كانت تلكم المعاني ثابتة لمن تأمَّل رسالة المسجد، فلن تكون ذات أثر فاعل إن لم يكن له إمام، فالمسجد بدون إمام كالجسد بدون روح، أو كالروح بدون جسد فالإمام هو الذي يقوم  بإبراز تلك المعاني، وإظهار القيم السامية لدور المسجد المؤثر في حياة الفرد والمجتمع

فالمسجد يتردد عليه كل يوم أعداد كبيرة لأداء الصلوات الخمس، وتزداد جموعهم في نهاية الأسبوع لأداء صلاة الجمعة، وتتباين أفهام المصلين، وتتفاوت ثقافتهم، لذلك فهم يحتاجون إلى التذكير والتنبيه، واستغلال حضورهم للإرشاد والتوجيه، ومعالجة مشكلات المجتمع، والإسهام في إصلاح الحياة العامة، وإعادة الفرد إلى قواعد الدين ومبادئه، وإشاعة روح المودة والإصلاح بين الناس.

 شخصية الإمام

الواقع أن الإمام يعلو في أعين الناس أو يسقط حسب مكانته في العلاقات، وانسجامه مع ما يقول، وقدراته العلمية، فترى الناس يرجعون إليه في فتواهم وقد يلتزمون بها أم لا، إلا أن السلطات تعتبر خطاب الإمام توجيه يستقبله السامع بروح التنفيذ التامة، فلهذا يحاسب الإمام على قوله، لأن قوله في نظر الحكومة محل تطبيق فعلي من طرف المؤمن السامع!!!  رغم أن واقع الحال يقول غير ذلك!

خطاب الإمام

فخطاب الإمام لا بد أن يهتم: بالتآلف والتقارب، مع البعد عن كل تصرف أو خطاب أو اتخاذ موقف قد يحدث تنافراً في صفوف المؤمنين، كل ما يكون شأنه الاختلاف يترك للمسؤولين، فدوره الوعي والتثقيف والمساعدة على الاندماج ومساعدة الآخرين في دعم علاقتهم بالله وعلاقتهم بالغير،  فهو إمام الجميع، يتوجه إليه الجميع، ويجلس معه الجميع. 

الأسس التى  لا تغيب عن الإمام

هناك أسس ينبغي لإمام المسجد التركيز عليها في خطبه، وكلماته للمصلين، مما تمس الحياة العامة للناس، وتؤدي إلى أمن المجتمع واستقراره، وإشاعة السلام والطمأنينة في سائر أرجائه، وتخليصه من أسباب الفرقة، وبواعث الشر والخلاف، ومن أهم ما ينبغي طرقه وتذكير الناس به، والتعرض له بين الفينة والأخرى وبالأخص في أوقات المحن والشدائد، ما يأتي:

  1. تقوية الوازع الديني: الإيمانُ العميق ركيزةٌ مهمية، ودعامةٌ أساسية، ترسخ في النفس الإنسانية معاني العبودية الحقة، وتنمي فيها الشعور بالخشية من الرب، والخوف من عقابه، ودوام الصلة به ومراقبته، والالتزام بتقواه وطاعته، ويدفع الإيمانُ بالله تعالى المسلمَ إلى العناية بالضرورات التي أَكَّد الإسلام على حفظها، ويحول بين الفرد وبين الوقوع في المحظورات، ويحجزه عن التعدي على حقوق الآخرين وانتهاكها، وينشأ في ضميره وازعٌ داخلي قوي، يهديه إلى الفضائل، ويحميه من مقارفة الجرائم والرذائل، ويسمو بإنسانيته عن التردي إلى الحضيض، أو الوقوع في الهاوية، فينتج عن تشبع النفس بالإيمان، وتغذيها بمعانيه العميقة آثارٌ إيجابية تبرز في حياة الفرد حيث يصبح مرهف الحس، رقيق الشعور، مرتاح النفس، مطمئن القلب، مستشعراً للمراقبة الإلهية

  1. الالتفاف حول دستور الدولة ونظامها الأمني والاجتماعي: فمن أبرز الضمانات الأمنية الرشيدة للمجتمع، وأهم الوسائل الكفيلة بترسيخ أمنه، والمحافظة عليه، الالتفاف حول دستور الدولة ونظامها، فهذا أصلٌ مهم، وقاعدة كبرى، ومنهج واضح، وأساسٌ قوي لتحقيق الأمن الاجتماعي، واستقرار البلاد، واطمئنان الرعية. 

  1. وحدة المجتمع وتماسكه: تهدف تعاليم الإسلام إلى بناء مجتمع متماسك، تقوم علاقات أفراده على المودة والالتئام، والمحبة والانسجام، وتنحسر فيه دواعي الفرقة والشتات، والتمزق والاختلاف، والشحناء والعداوة، فرابطة الإيمان تجمع بين أفراده، على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، وهي أشرف الروابط وأوثقها، وأفضل الوشائج وأكرمها. 

  1. الاعتدال والوسطية: فالإسلام يمقت كل اتجاه يهدف إلى الغلو في الدين، وينكر المبالغة في التقشف مبالغة تقود إلى التنطع وتجاوز الخطوط المحددة، حيث حَضَّ على الاعتدال، وحّثَّ على التوفيق بين حق العبادة وحق النفس في الحياة، فالغلو والتنطع يتعارضان مع تشريعات الإسلام الداعية على التيسير ورفع الحرج والبعد على المشقة

  1. الحماية من الانحراف والجريمة: يواجه المجتمع العديد من المخاطر والمستجدات والتغيرات السريعة، وانجرفت بالكثير إلى الانسياق وراء الأفكار المخالفة لفعل الخير، وأدت إلى انحراف البعض عن جادة الصواب، بسبب بواعث الفساد ونوازع الشر التي أحاطت بالمجتمعات، واكتنفتها من كافة جوانبها، والإسلام وضع القواعد الشرعية التي تحمي الفكر من الانحراف، وتصونه من الزيغ والضلال، وترسّخ في نفس المسلم الثوابت الإيمانية، والاستقامة السلوكية، وتبعده عن الانجراف وراء الأهواء والتقاليد المنافية للدين.

  1. التكافل الاجتماعي: لقد قرر الإسلام التكافل بمجالاته المتعددة، المعنوية والمادية، لإيجاد مجتمع فاضل متعاون، فالأفراد، فيه ليسوا على نسق واحد في الفهم والمستوى المعيشي، بل يتفاوتون في أحوالهم وأوضاعهم، فيحتاجون إلى تنظيم دقيق يضبط أحوالهم، ويرعى شؤونهم، ويحقق التوازن والانسجام بين مختلف الفئات، حتى يشعر كل فرد بعضويته الكاملة في المجتمع، ويشارك في واجباته وينهض بأعبائه، ليتحول المجتمع كله إلى أسرة واحدة، إخاء ومودة، وتعاون ورحمة، ومناصرة وقوة.

  1. العلاقة مع غير المسلمين: تقوم الفئة المؤمنة على عقيدة واضحة، وأحكام ثابتة، تنبثق منها قواعده ونظمه، وآدابه وقيمه، فقد اعتمد الإسلام منهجاً ودستور حياة، ومصدراً لأحكامه وتشريعاته، وحرص على تقوية الوحدة الاجتماعية داخل الوطن الواحد، وأكد على ضرورة تماسكها، دون إثارة حساسات، أو افتعال خلافات، وقرر التعايش مع الآخر وفق منهجه السمح في تعامله مع المخالفين، والمسالمة مع المسالمين، وقد أولى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الجانب عناية فائقة، وجعله من أولى اهتماماته عند استقراره في المدينة، ليقيم نظاماً أمنياً مشتركاً مع الفئات الأخرى، حيث اعتبر توفير الأمن من أهم المطالب، وقوة التعاون من سمات التعايش السليم.

  1. المهام التي يجب أن تكون عند الإمام أو يكون فيها الإمام

  • المرجعية الدينية والتي تعني: قدرته على الفتوى والإصلاح والاستماع

  • حضوره المحافل العامة والتي يعتبر وجود رجل الديني فيها ضروري

  • مواعظه ورسائله العامة والتي تلقى في المحافل على ضوء ما سبق من أسس.

  • إهتمامه بالتعريف بالإسلام وإشرافه على المسلمين الجدد حتى الاندماج.

  • حضوره المرغوب فيه في الدروس الأسبوعية وأفراح الناس وأقراهم.

  • الإشراف التنفيذي على ما يتعلق بالشعائر الدينية المنبثقة من المسجد وحياة رواده.

أبو زيد مارسو